حاجات الطفل

الطفل قابل للتأثر بكل النماذج والخبرات التي تتاح له سلبية كانت أم إيجابية، ومن واجبات الآباء تجاه أولادهم في التنشئة مراعاة القواعد الأخلاقية وما يترتب عليها من اتجاهات عامة صحيحة يتشكل منها الاقتداء السلوكي المستقيم. فالطفل يعبّر تعبيراً صريحاً عن انفعالاته وعن استجاباته بوضوح، فنجده مثلاً يرفض الامتثال لرغبة أبويه، وتطبيق النظام الثابت في الأسرة، (مواعيد النوم، ومشاهدة التلفزيون… الخ) فهو يحب ويبغض على مزاجه، وغالباً ما يكون معرضاً للشعور بالغضب والقلق وعاجزاً عن التكيّف مع أي تغيير يتعرض له. من هنا ضرورة تعويده على التمييز بين المسموح والممنوع والالتزام بحدود معينة. يرى بعض علماء النفس أن الأطفال لا يستطيعون مقاومة التأثيرات السيئة التي قد تصدر عن البيئة، لكنهم يستجيبون في المقابل بسرعة الى دواعي المحيط الصالح متى توفّر هذا وتيسّر. ولا شك في أن حكمة الأبوين في التنشئة وشيئاً من الاعتدال والمودة والتكيّف الإيجابي في تبادل الانفعال بين الآباء والأبناء، سيؤدي الى النمو الانفعالي المتسم بالنضج عند الأطفال ويلغي وجود التناقض الوجداني لديهم. فللطفل حاجات فيزيولوجية – نفسية، فهو بالإضافة الى الحاجات البيولوجية كالطعام والهواء والنشاط والحركة والراحة يحتاج أيضاً من أجل نمو متكامل وسليم الى الشعور بمكانته، فكل طفل يتطلع الى الاعتراف بوجوده ويحب أن يحظى باهتمام من هم حوله وينشد احترامهم. والطفل يحتاج الى الشعور بالاستقرار تماماً، كما يحتاج الى الحب والحنان كي لا يفقد الثقة بنفسه ويصبح قلقاً حائراً.
ويؤكد علماء النفس، ان الطفل المتمتع بالصحة النفسية السليمة هو الطفل الذي تكون قدراته واستعداداته قد أُتيح لها فرص النمو الصحيح ويكون قد نشأ وهو ينعم بالثقة بالذات بعيداً عن الأجواء المشحونة بالسلبيات وهذا يحمي شخصيته من التصدّع. إذن، الاحتضان السليم والتنشئة الصالحة ضرورة لا بد منها لرفد الطفولة ومقتضيات النمو، وخير ضمانة للسماح للطفل بالتعبير عن نفسه وانفعالاته والافصاح عما لديه من قابليات ومن طاقات خلاقة. وهي قدرات تتجلى في نشاطه العام وبما يتناسب وسنه والمرحلة التي هو فيها. هنا لا بد من التمييز بين التنشئة الصالحة والتوجيه السديد والسماح لقدرات الطفل بالنمو والكشف عن نفسها، وبين الصرامة والقسوة والحد من حركة الطفل وضربه لأتفه الأسباب. فكثيراً ما يُعاقب الطفل بالضرب وهو لا يعرف لماذا عوقب أو ضرب، وهذا الموقف يستقر في ذهنه ويترسخ في اللاشعور إن هو تكرر وتراكم، ويكون له أسوأ الأثر في حياته المقبلة، على أن هناك معايير أخلاقية عالية ومقاييس مثلى من السلوك لا بد من الأخذ بها في تربية الأطفال للحفاظ على صحتهم النفسية والعقلية. وما من شك أن بذور الأخلاق الأولى وما يترتب عليها من اتجاهات صحيحة في ما بعد إنما يأتي بالإقتداء، فنحن نعرف أن الأخلاق تكتسب ولا تُلقّن، وهذا يفرض على الآباء التصرف بوعي وحكمة لأن الإبن يقلد سلوك أبويه ويتعلم منهما أصول التصرّف، وكذلك على الأبوين توجيه قابليات طفلهما وقدراته العامة الى غاية بنّاءة؛ المفروض أن نهيئ للطفل المقومات التي يحتاجها ليكون بوسعه استخدام طاقاته على نحو تتمثل فيه قوة الإرادة ومتانة الخلق، فالطفل على استعداد لأن يكشف عن أصفى استعداداته متى وجد الجو الصالح المشجع له، وفاز بالرعاية الإيجابية التي تضمن له إشباعاً لحاجاته الأساسية. وهو اذا شعر بأي تقصير بحقه يصبح عاجزاً عن التكيّف المنطقي وتتزعزع ثقته بمن حوله، وقد يتجه الى أنواع مختلفة من السلوك غير المقبول اجتماعياً، أو ينسحب من المجتمع مفضلاً العزلة على المشاركة، وكثيراً ما تثبت الإتجاهات السلبية لدى الأطفال وربما تلازمهم بعد مرحلة الطفولة من جراء أخطاء يرتكبها بحقهم الكبار.